كيف لمن يحارب الفساد أن لايكون فاسدا ؟؟ وكيف لمن يسرق أموال الشعوب بأن يحاضر بالشرف ويتبجح بالنزاهة ؟؟
وإلى هنالك ، وحين سافر “سلمان” والد “محمد” (مفتش الفساد في المملكة ) إلى فرنسا قبل عامين وكان في أستقباله وضيوفه موكب مؤلف من 10 سيارات لنقله إلى مقر إقامته الخاصة ، ويقول سائقون محليون إنه جرى أستئجار 400 سيارة فاخرة على الأقل بزجاج معتم ، وسوف تستخدم السيارات في نقل أقارب الملك وأصدقائه البالغ عددهم الف شخص في المنطقة لزيارة المناطق السياحية المحلية والشواطئ ، وجرى تقييم مصروفات الرحلة بمبلغ 100 مليون دولار .. فقط !!
بينما رحلته إلى المغرب وبعد نحو عامين ، وببطانة داخلية للملك تجاوزت ألف شخص كلفت الخزينة السعودية ما يفوق 100 مليون دولار ، مع التنويه هنا بأن الملك يملك مكان أقامته في طنجة المغربية !!
ومقارنة بأوضاع الشعب السعودي في بعض المناطق الفقيرة في المملكة فكان الأحرى بالملك الوالد قضاء الأجازة هناك ( داخل المملكة ) ليتسنى لرعيته تجاوز شظف العيش ولو لأسبوع كامل !!
وبحسب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان “فيليب ألستون ” تحدث خلال زيارته السعودية ( بلاد الذهب الأسود ) في أبريل/نيسان 2017 عن مشاهدات “صادمة” ، بينما تشير دراسات غير رسمية (بسبب التكتم الشديد من قبل السلطات السعودية حول الموضوع ) بأن أعداد الفقراء تجاوز نسبة 25 بالمئة ليطرق أبواب 12 مليون مواطن سعودي !!
ولعل تلك الأرقام المرعبة شكلت هاجس وطني لدى محمد بن سلمان لملاحقة الفاسدين في المملكة ، مع أستحالة محاسبة الوالد (العجوز) ، والحاشية المؤتمنة على السلب والنهب وطاعة أوامر ولي العهد .
ومن الطبيعي أن يتم أعتقال الأمراء في بهو الفنادق الفخمة ( ففي الدول العربية تبرمج كيفية عقوبة المتهم بحسب المبالغ المودعة في رصيده ) !!
ولكن من غير الطبيعي أن يلاحق (الجميع) الغير مؤيدين لأستلام الشاب عرش السلطة السعودية ، ليتم أنتزاع السلطة وبالقوة تحت مظلة مكافحة الفساد !!
كما حركت أوضاع الأمراء السعوديين المزرية منظمة “هيومن رايتش” الأممية لحقوق الأنسان وجماعة الحوثي في اليمن لدق طبول الذعر والخشية على حياة الأمراء الضعفاء ؟؟
وهنا تسقط أقنعة لتستبدل بأخرى أكثر مرونة !! فبينما يتواجد جيش من الحقوقين والجماعات المسلحة للدفاع عن الفاسدين ، فلايوجد للفقراء في هذا العالم البائس سوى الجوع والبرد ليرافق رحلة شقائهم الأبدي !!
وطالبت المنظمة الحقوقية الدولية السلطات السعودية بأن تضمن للموقوفين حق الطعن بقانونية احتجازهم أمام قاضٍ مستقل ومحايد وأن يُتاح لهم مقابلة عائلاتهم ، وقالت المنظمة في تقرير لها إن توقيف عشرات الأشخاص على نحو جماعي كما حدث مؤخرا في السعودية يرقى إلى “الاحتجاز القسري” الذي يخالف القانون الدولي .
وبتغريدة عاطفية توحي بدفء مشاعر صاحبها ( المجرم ) ، غرد محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا وابن عم زعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي قال فيها “الإخوة أمراء آل سعود من العائلة المالكة وكل موظف أو شخصية تشعر باستهداف النظام مستعدون لاستقبال كل من يريد الإقامة لدينا كأخ مظلوم عزيز ومكرم” !!
ومع أستمرار ضبابية المشهد وشح الأخبار القادمة من المملكة يبقى مصير الرئيس اليمني الغير مكلف ، ورئيس الوزارء اللبناني المكلف المستقيل ، يظل مصيرهما قيد التخمين والأماني ؟؟
حيث يشير البعض إلى فرض المملكة الإقامة الجبرية على رئيس اليمن عبد ربه منصور هادي (الموجود حاليا في الرياض) وكذلك أبنائه ووزرائه ، ومن جهته هدد السفير الروسي بلبنان ألكسندر زاسبيكين -الخميس- بإحالة ملف الحريري إلى مجلس الأمن الدولي في حال أستمر “الغموض” الطاغي على الأستقالة (منوها بأستخدام الفيتو في حال رفض المملكة الكشف عن مصير الحريري ، كالفيتوات المستخدمة بالدفاغ عن سفاح دمشق ) !!
مع توجه الأثنان إلى عقد لقاءات متلفزة لتكذيب الشائعات .
وهنا يتضح لنا حقيقة أرتهان السياسيين العرب للداخل والخارج ممايجعل مصائرهم ترتهن بالأنخفاضات الجوية (السياسية) !!
وقد أعلنت السلطات السعودية أن عدد المعتقلين في تحقيقات الفساد وصل إلى 201 شخص، وأن عمليات الاختلاس والفساد في المملكة على مدار عقود تجاوزت مئة مليار دولار ، وقد تم إطلاق سراح سبع موقوفين بسبب عدم أكتمال الأدلة . كما وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن حادثة سقوط المروحية التابعة للأمير السعودي منصور بن مقرن لم تكن عادية، أو من خطأ فني حصل، بل هي عملية اغتيال حصلت من خلال استهدافها من قبل مقاتلة سعودية في الجو قبل مغادرتها المملكة .
وبعيدا عن التحليلات والتعليلات والربط والشد والجذب ، وكما توسعنا بالشرح ضمن المقال السابق ( لجنة مكافحة الفساد تطيح بابناء الذوات ، لبنان يغلي في المرجل السعودي ) فان الأمور تسير كما خطط لها وبأدق التفاصيل ، وكي لا ننجر خلف الشائعات فيبنغي فهم
ما يلي :
1. ينطوي الهدف من ملاحقة الفاسدين (وكما يصفهم الأعلام السعودي) خلف مطاردة الأصوات المعارضة لتولي محمد بن سلمان (ولي العهد) السلطة لاحقا ، وبالأخص مع تعالي الأصوات داخل العائلة السعودية الحاكمة الرافضة لتولي الشاب زمام كافة السلطات في المملكة ، ويمكن رصد علو تلك الأصوات الغاضبة عقب الأطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف ، ورسم ملامح دكتاتور خليجي جديد محفوف بالرضا الأمريكي .
2. أما الأمر الأخر والشديد الأهمية هو رغبة ترامب الجامحة بأشعال حرب في المنطقة عقب أن تم أغلاق أبواب الحرب مع كوريا الشمالية تزامنا مع القدرات العسكرية للأخيرة ووقوف بكين ( العدو اللدود لواشنطن ) وبكل أمكانياتها مع “بيونغ يانغ ” عاصمة كوريا الشمالية .
ولتذليل العقبات أمام فهم هذه النقطة بالتحديد يجب أستيعاب الأتي .. يعاني ترامب حاليا من هزات أرتدادية داخلية وخارجية تدفعه إلى أشعال حريق ضخم خارج الولايات المتحدة لتوجيه الأنظار خارج دائرة التشكيك بمقدرته على مواصلة الفترة الرئاسية الحالية ؟؟
* الأوضاع الداخلية : تتعلق بسير التحقيقات المتعلة بعلاقة ترامب وفريقه بالجانب الروسي ، خصوصا بعد أن طرقت أيادي التحقيقات النوافذ الداخلية للخلية الضيقة المحيطة بترامب ووصلت إلى أقرب الشخصيات المحيطة به ، مثل بابادوبولوس مستشار المرشح ترمب للشؤون الدولية ولو لفترة وجيزة ، وصهره جاريد كوشنر ، والشكوك التي بدأت تتحول إلى حقائق فيما يخص علاقتهما مع موسكو .
* أما وبالنسبة للأوضاع الخارجية ، فقد تبين للجميع ضعف أداء ترامب دور شرطي العالم عقب أن فشل بحل ملف كوريا الشمالية ، وإلغاء الأتفاق النووي مع طهران جراء رفض الكونغرس الأمريكي والدول الأوروبية لتلك الخطوة المزمع الفيام بها من قبل ترامب ، ولذا توجه ترامب إلى وضع مجمل ثقله في الشرق الأوسط من أجل أعادة رسم الصورة النمطية الأمريكية المسيطرة على العالم والتي فقدت بريقها في عهده . نذر الحرب السعودية الإيرانية !!!
ومرورا بما سبق ، نستنتج بأن الرياض ومن خلفها واشنطن بدأت بتقليم أظافر طهران على الصعيد الخارجي من خلال نشر الذعر حول نوايا الأخيرة تجاه دول المنطقة ، بالأضافة إلى بتر أذرع إيران خارج حدودها في اليمن ولبنان ( جماعة الحوثي ، حزب الله ) .
فقد أعلنت كلا من السعودية والأمارات والكويت مؤخرا ضرورة مغادرة رعايا تلك الدول لبنان وعلى الفور ، كما أن هدف أرغام سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق على الأستقالة هو أحراج حزب الله ، وجعل الوضع الداخلي في لبنان ساحة حرب ثانوية مع طهران .
كما تبادلت السعودية وإيران الأتهامات في رسائل موجهة من البلدين إلى مجلس الأمن ، على خلفية الصاروخ الذي أطلقته مليشيات الحوثي بأتجاه الرياض قبل أيام، إذ اتهمت إيران المملكة بـ”التهديد باستخدام القوة”، في حين دعت الرياض مجلس الأمن إلى وقف التدخلات الإيرانية .
وأكدت الرسالة السعودية لمجلس الأمن أن الرياض “سوف تتخذ إجراءات للرد على أعمال العنف التي قامت بها ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من قبل آيران ، وذلك لتحفظ المملكة الأمن والأمان في أراضيها وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية .
ومخطأ من يعتقد بأن موضوع الخلاف بين الجانبين هو الصاروخ الحوثي الموجه نحو الرياض ؟؟ ولكن الغايات الكامنة خلف أشعال الخلاف أعمق بكثير وقد جئنا على ذكرها في هذا المقال .
ويتراءى لنا خطورة مايحاك خلف الكواليس للمنطقة من خلال ماجاء في صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية ، والتي نشرت تقريرا لمراسلة الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط، إيريكا سولمون، بشأن “تصاعد التوتر في الشرق الأوسط في خضم تنافس إيراني سعودي محموم على التأثير في مجريات الأمور بالمنطقة”.
تقول الكاتبة إن “الخطوات التصعيدية” التي اتخذتها السعودية خلال اليومين الماضيين تشير إلى أن “الحرب الباردة بين البلدين في طريقها للتحول قريبا إلى حرب ساخنة”.
فخلال يومين فقط ، بحسب الكاتبة ، أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من الرياض في ما يبدو كخطوة جاءت بضغوط سعودية نظرا للدور الذي تلعبه جماعة حزب الله في لبنان ، ثم بعد ذلك بساعات، اتهمت السعودية طهران بالقيام “بفعل من أفعال الحرب”، ملقية عليها اللوم في تزويد الحوثيين في اليمن بصواريخ وذلك بعد أن استهدف أحدها مطار الملك خالد في الرياض .
عزيزي القارىء ، أن حقيقة مايجري من أحداث ساخنة بعيدة نسبيا عن صراعات القوى الرئيسية في المنطقة بين السعودية ومنافستها إيران ، بل الأمر يتعلق برغية واشنطن بخلق جو جديد يفسح لها المجال بأعادة ترتيب أوضاعها الداخلية والخارجية ، فمن جهة حرف الشكوك حول ترامب والعلاقة السرية مع موسكو ، ومن جهة أخرى أعادة تموضع اللاعب الأمريكي ضمن الملفات المتأزمة في العالم !!
وعبر الجهتين ينتهز حلفاء واشنطن الفرصة لممارسة نواياهم المبيتة كمافعل ولي العهد السعودي بالمملكة من أعتقالات وأقصاء لخصومه المحتملين .
فواشنطن تضع في يد المغفلين عود ثقاب بعد أن تمطر المدن بالمواد السريعة الأشتعال !!
وقد قلناه سابقا ترامب رجل الأطفاء المولع بأشعال الحرائق ولابد من دفع شعوب العالم فاتورة تولي الأحمق دفة قيادة العالم !!